فصل: فصل: (الحكم إن سافرت زوجته بغير إذنه لغير واجب أو انتقلت من منزله)

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الكافي في فقه الإمام أحمد ***


كتاب‏:‏ الرضاع

إذا ثاب للمرأة لبن على ولد فأرضعت به طفلا دون الحولين خمس رضعات متفرقات صارت أمه وهو ولدها في تحريم النكاح وإباحة النظر والخلوة وثبوت الحرمية وصارت أمهاتها جداته وآباؤها أجداده وأولادها إخوته وأخواتها وإخوتها أخواله وأخواتها خالاته لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة‏}‏ نص على هاتين في المحرمات فدل على ما سواهما وروت عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة‏]‏ وعن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في ابن حمزة‏:‏ ‏[‏لا تحل لي من يحرم من الرضاع ما يحرم بالنسب وهي ابنة أخي من الرضاعة‏]‏ متفق عليهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان الولد الذي ثاب اللبن بولادته ثابت النسب‏]‏

وإن كان الولد الذي ثاب اللبن بولادته ثابت النسب من رجل صار الطفل ولدا له وأولاده أولاد ولده وصار الرجل أبا له وآباؤه أجداده وأمهاته جداته وأولاده إخوته وإخوانه وأخواته أعمامه وعماته لما روت عائشة رضي الله عنها‏:‏ أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن علي بعدما أنزل الحجاب فقلت‏:‏ والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن أخا أبي القعيس ليس هو الذي أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت‏:‏ يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أخيه فقال‏:‏ ‏[‏ائذني له فإنه عمك تربت يمينك‏]‏ متفق عليه ولأن اللبن حدث للولد والولد ولدهما فكان المرضع بلبنه ولدهما فإن لم يكن الولد ثابت النسب من رجل كولد الزنا والمنفي باللعان فمفهومه كلام الخرقي أنه لا ينشر الحرمة بينهما لأن النسب لم يثبت فالتحريم المتفرع عليه أولى وهذا قول ابن حامد ولكن إن كان المرتضع أنثى حرمت تحريم المصاهرة لأنها ربيبة الملاعن وابنة موطوءة الزاني وكذلك أولادها وأولاد الطفل إن كان ذكرا وقال أبو بكر‏:‏ ينشر الحزمة بينه وبين الواطئ والزوج الملاعن لأن التحريم ثابت بينهما وبين المولود فكذلك في المرتضع لأنه فرعه ولأنه أحد المتواطئين فتنتشر الحرمة إليه كالمرأة ويحتمل أن ينشر الحرمة بين الزاني وبين المرتضع لأن الولد منه حقيقة فكان اللبن منه لا ينشر من المرتضع والملاعن فإن اللبن لم يثبت منه حقيقة ولا حكما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏انتشار الحرمة بالرضاع‏]‏

وتنتشر الحرمة من الولد إلى أولاده وإن سفلوا لأنهم أولاد أولاد المرضعة ولا تنتشر إلى من هو في درجته وأعلى منه كإخوته وأخواته وأمهاته وآبائه وأعمامه وعماته وأخواله وخالاته فللمرضعة نكاح أب الطفل وأخيه ولزوجها نكاح أمه وأخته ولإخوته وأخواته من النسب نكاح إخوته وأخواته من الرضاع لأن حرمة النسب تختص به وبأولاده دون إخوته وأخواته ومن أعلى منه كذلك الرضاع المتفرع عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏متى تثبت الحرمة بالرضاع‏؟‏‏]‏

ولا تثبت الحرمة بالرضاع بعد الحولين لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة‏}‏ فجعل تمامها في الحولين فدل على أنه لا حكم للرضاع بعدهما وعن أم سلمة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القدر المحرم من الرضاع‏]‏

واختلفت الرواية في قدر المحرم من الرضاع فروي‏:‏ أن قليله وكثيره يحرم كالذي يفطر الصائم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم‏}‏ وقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب‏]‏ وروي‏:‏ أن التحريم لا يثبت إلا بثلاث رضعات لما روت عائشة رضي الله عنها‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا تحرم المصة ولا المصتان‏]‏ وعن أم الفضل بنت الحارث قالت‏:‏ قال نبي الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا تحرم الإملاجة ولا الإملاجتين‏]‏ رواهما مسلم وروى‏:‏ لا يتثبت التحريم إلا بخمس رضعات وهي ظاهر المذهب لما روي عن عائشة قالت‏:‏ أنزل في القرآن‏:‏ ‏(‏عشر رضعات معلومات يحرمن‏)‏ فنسخ من ذلك خمس وصار الأمر إلى خمس رضعات يحرمن فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم والأمر على ذلك رواه مسلم وهذا الخبر يفسر الرضاعة المحرمة في الآية ويقدم على الخبر الآخر لأنه إنما يدل بدليل خطابه والمنطوق أقوى منه فإن شك في عدد الرضاع أو في وجوده لم يثبت التحريم لأن الأصل الإباحة فلا تزول بالشك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الرضعة المعتبرة في التحريم‏]‏

واختلف أصحابنا في الرضعة فقال أبو بكر‏:‏ متى شرع في الرضاع وخرج الثدي من فيه فهي رضعة سواء قطع اختيارا أو لعارض في تنفس أو أمر يلهيه أو انتقال من ثدي إلى آخر أو قطعت المرضعة عليه فإذا عاد فهي رضعة ثانية وقال ابن أبي موسى‏:‏ حد الرضعة أن يمص ثم يمسك عن الامتصاص لنفس أو غيره سواء خرج الثدي من فيه أو لم يخرج لأن قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏لا تحرم المصة ولا المصتان والإملاجة ولا الإملاجتان‏]‏ يدل على أن لكل مصة أثرا ولأنه لو تباعد ما بينهما كانا رضعتين فكذلك إذا تقاربا ولأن القليل من الوجور والسعوط رضعة فالامتصاص أولى وقال ابن حامد إن قطع لعارض أو قطع عليه ثم عاد في الحال فهما رضعة واحدة وإن تباعدا أو انتقل من امرأة إلى أخرى فهما رضعتان لأن الآكل لو قطع الأكل للشرب أو عارض وعاد في الحال كان أكلة واحدة فكذلك الرضاع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏التحريم بالوجور‏]‏

ويثبت التحريم بالوجور وهو أن يصب اللبن في حلقه لأنه ينشز العظم وينبت اللحم فأشبه الارتضاع وبالسعوط وهو أن يصب على أنفه لأنه سبيل لفطر الصائم فكان سبيلا للتحريم بالرضاع كالفم وعنه‏:‏ لا يتثبت التحريم بهما لأنهما ليسا برضاع وإن جمد اللبن فجعل جبنا وأكله الصبي فهو كالوجور ولا يثبت التحريم بالحقنة في المنصوص عنه لأنها تراد للإسهال لا للتغذي فلا تنبت لحما ولا تنشز عظما وقد روى ابن مسعود‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم‏]‏ رواه أبو داود وقال ابن حامد وابن أبي موسى‏:‏ ينشر الحرمة لأنه واصل إلى الجوف أشبه الواصل من الأنف وإن قطر في إحليله لم ينشر الحرمة وجها واحدا لأنه ليس برضاع ولا في معناه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا حلبت في إناء دفعة واحدة أو في دفعات ثم سقته صبيا في أوقات خمسة‏]‏

إذا حلبت في إناء دفعة واحدة أو في دفعات ثم سقته صبيا في أوقات خمسة فهو خمس رضعات وإن سقته في وقت واحد فهو رضعة واحدة لأن الاعتبار بشرب الصبي فإن التحريم يثبت به فاعتبر تفرقه واجتماعه وإن سقته الجميع في وقت واحد جرعة بعد جرعة فعلى قول ابن حامد‏:‏ هو رضعة واحدة لما ذكرنا في الرضاع وإن حلبت امرأتان في إناء واحد وسقتاه صبيا في خمسة أوقات صار ابنهما لأن ذلك لا يزيد على اللبن المشوب وهو ينشر الحرمة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم اللبن المشوب‏]‏

واللبن المشوب كالمحض في نشر الحرمة ذكره الخرقي وهذا إن كانت صفات اللبن باقية فإن صب في ماء كثير لم يتغير به لم يثبت التحريم لأن هذا لا يسمى لبنا مشوبا ولا ينشز عظما ولا ينبت لحما وقال أبو بكر‏:‏ قياس قول أحمد أن المشوب لا ينشر الحرمة لأنه وجور وحكي عن ابن حامد‏:‏ إن غلب اللبن حرم وإن غلب خلطه لم يحرم لأن الحكم للأغلب ويزول حكم المغلوب والأول أصح لأن ما تعلق الحكم به غالبا تعلق به مغلوبا كالنجاسة والخمر وسواء شيب بمائع كالماء والعسل أو بجامد مثل أن يعجن به أقراص ونحوهما لأنه مشوب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم لبن الميتة‏]‏

ويحرم لبن الميتة لأنه لبن آدمية ثابت على ولد فأشبه لبن الحية وقال الخلال‏:‏ لا ينشر الحرمة لأنه معنى تتعلق به الحرمة في الحياة فلم تتعلق في حال الموت كالوطء وإن حلبته في إناء ثم سقي منه صبي بعد موتها كان حكمه كحكم ما لو سقي في حياتها لأنه انفصل عنها في الحياة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل تثبت الحرمة بلبن البهيمة‏؟‏‏]‏

ولا تثبت الحرمة بلبن البهيمة لأن الأخوة فرع على الأمومة ولا تثبت الأمومة بهذا الرضاع فالأخوة أولى ولا تثبت بلبن رجل لأنه لا يجعل غذاء للمولود فأشبه لبن البهيمة ولا بلبن خنثى مشكل لأنه لا يعلم أنه امرأة فلا يثبت التحريم بالشك وقال ابن حامد‏:‏ يقف الأمر حتى ينكشف أمر الخنثى فإن أيس من انكشافه بموت أو غيره ثبت الحل لما ذكرنا وإن ثاب لامرأة لبن من غير حمل فقال أبو الخطاب‏:‏ نص أحمد على أنه لا ينشر الحرمة لأنه نادر أشبه لبن الرجل وذكر ابن أبي موسى فيه روايتين‏:‏

إحداهما‏:‏ ينشر الحرمة لأنه لبن آدمية أشبه لبن ذات الحمل وهذا قول ابن حامد لأنه جعل لبن الخنثى موقوفا ولو كان تقدم الحمل شرطا في التحريم لما وقف أمره لأننا تيقنا عدمه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا ثاب للمرأة لبن من غير حمل‏]‏

إذا ثاب للمرأة لبن من غير حمل وقلنا‏:‏ إنه ينشر الحرمة فأرضعت به طفلا صار ابنا لها ولم يصر ابنا لزوجها لأنه لم يثبت بوطئه فلم يكن منه وإن وطئ رجلان امرأة فأتت بولد فأرضعت بلبنه طفلا صار ولدا لمن ثبت نسب المولود منه وينتفي عمن ينتفي عنه سواء ثبت بالقافة أو بغيرها لأن اللبن تابع للولد فإن ألحقته القافة بهما فالمرتضع ولدهما وإن أشكل أو لم يوجد قافة ثبت الحرمة بينه وبينهما لأنه ولد لهما أو ولد لأحدهما فتحرم عليه بنات من هو ولد له وقد اشتبهت الأنساب المحرمة بغيرها فيحرمان كما لو اختلطت أخته بأجنبيات ولا يتثبت المحرمية بينه وبين واحدة منهن كذلك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم لو طلق الرجل زوجة له منها لبن فتزوجت صبيا رضيعا فأرضعته‏]‏

ولو طلق الرجل زوجة له منها لبن فتزوجت صبيا رضيعا فأرضعته صار ابنها وابن طليقها فينفسخ نكاحها لأنها صارت أمه وتحرم على المطلق لأنها صارت من حلائل أبنائه لما أرضعت الصبي الذي تزوجته ولو زوج رجل أم ولده صغيرا مملوكا فأرضتعه بلبن سيدها انفسخ نكاحها وحرمت على سيدها كذلك وإن زوجها صبيا حرا لم يصح نكاحه لأن من شرط نكاح الإماء خوف العنت وهو معدوم في الصبي فإن أرضعته لم تحرم على سيدها لأنه ليس بزوج في الحقيقة وإن تزوجت صغيرا ثم فسخت نكاحه لعيب ثم تزوجت كبيرا فأولدها وأرضعت بلبنه الصغير الذي فسخت نكاحه حرمت على زوجها على التأبيد لأنها صارت من حلائل أبنائه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن طلق الرجل زوجته وهي ذات لبن منه فتزوجت آخر ولم تحمل منه‏]‏

وإن طلق الرجل زوجته وهي ذات لبن منه فتزوجت آخر ولم تحمل منه فاللبن للأول سواء زاد بوطء الثاني أو لم يزد لأن اللبن للولد وإن حملت من الثاني ولم تلد ولم ينقطع لبن الأول ولم يزد فهو للأول أيضا كذلك وإن ولدت من الثاني فاللبن له وحده انقطع لبن الأول أو اتصل زاد أو لم يزد لأن حاجة المولود إلى اللبن تمنع كونه لغيره وإن لم تلد من الثاني واتصل لبن الأول وزاد بالحمل من الثاني فاللبن منهما لأن اتصال لبن الأول دليل على أنه منه وزيادته عند حدوث الحمل دليل على أنها منه فيضاف إليهما وإن انقطع لبن الأول ثم ثاب بالحمل من الثاني فقال أبو بكر‏:‏ هو منهما لأن الظاهر أن لبن الأول عاد وسببه وطء الثاني فيضاف إليهما كالتي قبلها وقال القاضي‏:‏ يحتمل أنه من الثاني وحده لأن لبن الأول ذهب حكمه بانقطاعه وحدث بحمل الثاني فيكون منه وهذا اختيار أبي الخطاب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا كان لرجل خمس أمهات أولاد لهن لبن منه فارتضع طفل من كل واحدة منهن رضعة‏]‏

إذا كان لرجل خمس أمهات أولاد لهن لبن منه فارتضع طفل من كل واحدة منهن رضعة أو ثلاث زوجات فارتضع من كل واحدة رضعتين لم يصرن أمهات له لأنه لم يكمل رضاعه من واحدة منهن وصار السيد والزوج أبا له في أصح الوجهين لأنه ارتضع من لبنه خمس رضعات فكمل رضاعه من لبنه فصار أبا له كما لو أرضعته واحدة خمسا‏.‏

والثاني‏:‏ لا يصير أبا له لأنه رضاع لم تثبت به الأمومة فلم تثبت به الأبوة كلبن البهيمة ولو أرضعته بغير لبن السيد لم يصر السيد أبا له بحال ولا يحرم أحدهما على الآخر في أصح الوجهين لأن تحريمه عليه فرع كونه ولدا لهن ولم يثبت وفي الآخر يحرم لأنه كمل له الرضاع من موطوءات السيد فيحرم عليه كما لو كمل له من واحدة ولو كان للمرأة خمس بنات لهن لبن فارتضع طفل من كل واحدة رضعة لم يصرن أمهات له وهل تصير المرأة جدة له وزوجها جدا وابنها خالا له‏؟‏ على الوجهين فإن قلنا بالوجه الأول حرمت أمهات الأولاد على الطفل في المسألة الأولى لأنهن موطوءات أبيه وبنات المرأة في الثانية لأنهن بنات جده وجدته وإن كن ستا فارتضع من كل واحدة رضعة صارت كل واحدة منهن خالته لأنه قد ارتضع من أخواتها خمس رضعات وإن قلنا بالوجه الثاني لم يحرمن لعدم الأسباب المحرمة وإن كمل الطفل خمس رضعات من أم رجل وأخته وزوجته وابنته وزوجة ابنه وزوجة أبيه خرج على الوجهين فأما إن أرضعت امرأة طفلا ثلاث رضعات من لبن زوج ثم انقطع لبنها وتزوجت آخر فصار لها منه لبن فأرضعت منه الطفل رضعتين صارت له أما وجها واحدا لأنه كمل رضاعه من لبنها ولم يصر الرجلان أبوين له لأنه لم يكمل رضاعه من لبن واحد منهما لكنه يحرم عليها لأنه ربيبهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا تزوجت رجل صغير فأرضعتها زوجة له كبرى بلبنه‏]‏

إذا تزوجت رجل صغير فأرضعتها زوجة له كبرى بلبنه حرمتا عليه على التأبيد لأن الصغرى بنته والكبرى من أمهات نسائه وإن أرضعتها بلبن غيره بعد دخوله بها حرمتا أيضا على التأبيد لأن الكبرى من أمهات نسائه والصغرى ربيبته المدخول بأمها وإن كان ذلك بعد طلاقهما أو طلاق إحداهما فكذلك لما ذكرناه ولو تزوج رجلان زوجتين كبرى وصغرى ثم طلقاهما وتزوج كل واحدة منهما زوجة الآخر فأرضعت الكبرى والصغرى حرمت الكبرى عليهما لأنها من أمهات نسائهما وتحرم الصغرى على من دخل بالكبرى لأنها ربيبته مدخول بأمها ولا تحرم على الآخر لعدم دخوله بأمها وإن أرضعت زوجته الكبرى زوجته الصغرى بلبن غيره ولم يكن دخل بالكبرى حرمت الكبرى وفي الصغرى وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ينفسخ نكاحها لأنها اجتمعت مع أمها في النكاح فانفسخ نكاحهما كما لو صارتا أختين‏.‏

والثاني‏:‏ لا ينفسخ نكاحها اختاره الخرقي لأن الكبرى أولى بفسخ نكاحها لتحريمها على التأبيد فتبقى هذه منفردة به بخلاف الأختين فإنه ليس واحدة منهما أولى من الأخرى‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أرضعتها بنت الكبرى‏]‏

وإن أرضعتها بنت الكبرى فهو كرضاع الكبرى سواء لأنها صارت بنت بنتها وإن أرضعتها أمها صارت زوجتاه أختين فانفسخ نكاحهما كذلك وإن أرضعتها جدتها صارت الصغرى خالة الكبرى أو عمتها وإن أرضعتها أختها صارت الكبرى خالتها وإن أرضعتها امرأة أخيها بلبنه صارت عمتها وينفسخ نكاحها في جميع ذلك وله نكاح من شاء منهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن تزوج صغيرتين فأرضعتهما امرأة واحدة‏]‏

وإن تزوج صغيرتين فأرضعتهما امرأة واحدة معا أو إحداهما بعد الأخرى انفسخ نكاحهما معا لأنهما صارتا أختين وله أن ينكح من شاء منهما وإن أرضعتهما زوجة له كبرى مدخول بها حرم الكل عليه على الأبد وإن لم يدخل بها فأرضعتهما معا انفسخ نكاحهما وإن أرضعت واحدة بعد الأخرى ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ ينفسخ نكاح الأولى لأنها اجتمعت مع أمها في النكاح ويثبت نكاح الثانية لأنها لم تصر أختا للأولى إلا بعد فسخ نكاحها‏.‏

والثاني‏:‏ لا ينفسخ نكاح الأولى برضاعها فإذا أرضعت الثانية صارتا أختين فانفسخ نكاحهما وإن تزوج ثلاث صغار فأرضعتهن امرأة معا أو أرضعت واحدة منفردة واثنتين بعد ذلك معا انفسخ نكاحهن جميعا لأنهن صرن أخوات وإن أرضعتهن منفردات انفسخ نكاح الأوليين لأنهما صارتا أختين في نكاحه وثبت نكاح الثالثة لأنها لم تصر أختا لهما إلا بعد فسخ نكاحهما وإن أرضعتهن امرأته الكبرى قبل دخوله بها فكذلك في قول الخرقي وفي الوجه الآخر ينفسخ نكاح الجميع‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا أرضعت زوجته الصغرى كل من تحرم عليه ابنتها كأمه ونحوها‏]‏

وكل من تحرم عليه ابنتها كأمه وابنته وأخته وجدته وزوجة أخيه بلبن أخيه إذا أرضعت زوجته الصغرى حرمتها عليه على التأبيد وفسخت نكاحها كذلك لأنها تجعلها بنتا لها ومن لا تحرم ابنتها كعمته وخالته وامرأة عمه وخاله لا يضر رضاعها شيئا لأن ابنتها حلالا له ولو تزوج ابنة عمه أو بنت عمته أو بنت خاله أو خالته وهما صغيران فارتضع أحدهما من جدتهما انفسخ النكاح بينهما لأن أحدهما يصير عم صاحبه أو خاله‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من أفسد نكاح امرأة بالرضاع قبل الدخول‏]‏

ومن أفسد نكاح امرأة بالرضاع قبل الدخول فعليه للزوج ما يلزمه من صداقها وهو النصف لأنه قرره عليه بعد أن كان يعرض للسقوط وفرق بينه وبين زوجته فلزمه ذلك كشهود الطلاق إذا رجعوا وإن اشترك في الإفساد جماعة فالضمان بينهم مقسوما على عدد الرضعات لاشتراكهم في السبب وإن كانت المرأة هي المفسدة لنكاحها فلا صداق لها فإن أرضعت زوجته الكبرى الصغرى ففسد نكاحهما فلا مهر للكبرى ويرجع عليها بنصف صداق الصغرى وإن دبت الصغرى فارتضعت من الكبرى وهي نائمة فلا مهر للصغرى ويرجع عليها بنصف صداق الكبرى وإن ارتضعت منها رضعتين وهي نائمة ثم انتبهت فأرضعتها ثلاث رضعات فعليه للصغرى خمس صداقها وعشره يرجع على الكبرى وللكبرى خمس صداقها يرجع به على الصغرى وإن أفسدت نكاح نفسها بعد الدخول فلها المهر لأنه استقر بالدخول فلم يسقط كما لو ارتدت وإن أفسد نكاحها غيرها فلا شيء عليه كذلك والمنصوص عن أحمد‏:‏ أنه يرجع عليه بصداقها لأنه نكاح أفسد فوجب على المفسد غرامة ما وجب على الزوج كقبل الدخول‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا أقر الزوج أن زوجته أخته من الرضاع‏]‏

إذا أقر الزوج أن زوجته أخته من الرضاع انفسخ نكاحه لأنه مقر على نفسه ثم إن صدقته وكان قبل الدخول فلا مهر لها لأنه نكاح باطل لا دخول فيه وإن كذبته لم يسقط صداقها ولزمه نصفه لأن الأصل الحل وصحة النكاح وإن كان بعد الدخول فلها المهر بما استحل من فرجها وإن كانت هي التي قالت‏:‏ هو أخي من الرضاع فأكذبها فهي زوجته في الحكم ولم يقبل قولها في فسخ نكاحه لأنه حق له عليها لكن إن طلقها قبل الدخول فلا مهر لها لاعترافها بسقوطه وإن قال الزوج‏:‏ هذه ابنتي من الرضاع وهي مثله أو أكبر منه لم تحرم عليه لأننا نتحقق كذبه‏.‏

كتاب‏:‏ النفقات

باب‏:‏ نفقة الزوجات

يجب على الرجل نفقة زوجته وكسوتها بالمعروف إذا سلمت نفسها إليه ومكنته من الاستمتاع بها لما روى جابر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏اتقوا الله في النساء فإنهن عوان عندكم أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏]‏ رواه مسلم فإن امتنعت من تسليم نفسها كما يجب عليها أو مكنت من استمتاع دون استمتاع أو في منزل دون منزل أو في بلد دون بلد ولم تكن شرطت دارها ولا بلدها فلا نفقة لها لأنه لم يوجد التمكين التام فأشبه البائع إذا امتنع من تسليم المبيع أو تسليمه في موضع دون موضع وإن عرضت عليه وبذلت له التمكين التام وهو حاضر لزمته النفقة لأنها بذلت الواجب عليها وإن كان غائبا لم تجب حتى يقدم هو أو وكيله أو يمضي زمن ولو سار لقدر على أخذها لأنه لا يوجد التمكين إلا بذلك وإن لم تسلم إليه ولم تعرض عليه فلا نفقة عليه لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة فلم ينفق عليها حتى أدخلت عليه ولأنه لم يوجد التمكين فلا تجب النفقة كما لو منعت نفسها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من عرضت عليه وهي صغيرة لا يوطأ مثلها‏]‏

ولو عرضت عليه وهي صغيرة لا يوطأ مثلها فلا نفقة لها لأنه لم يوجد التمكين من الاستمتاع لأمر من جهتها وإن كانت كبيرة والزوج صغير وجبت نفقتها لأن التمكين وجد من جهتها وإنما تعذر من جهته فوجبت النفقة كما لو سلمت إليه وهو كبير فهرب منها وإن سلمت إليه وهو مجبوب أو مريض لا يمكنه الوطء وجبت النفقة كذلك وإن سلمت إليه وهي رقتاء أو نحيفة أو مريضة لا يمكن وطؤها وحبت نفقتها لأن تعذر الاستمتاع لسبب لا تنسب إلى التفريط فيه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن سافرت زوجته بغير إذنه لغير واجب أو انتقلت من منزله‏]‏

وإن سافرت زوجته بغير إذنه لغير واجب أو انتقلت من منزله فلا نفقة لها وإن كان غائبا لأنها خرجت عن قبضته وطاعته فأشبهت الناشز وإن سافرت بإذنه فعلى ما ذكرناه في القسم وإن أحرمت بحج أو عمرة في الوقت الواجب من الميقات لم تسقط نفقتها لأنها فعلت الواجب بأصل الشرع فأشبه ما لو صامت رمضان وإن تطوعت بالإحرام بغير إذنه أو أحرمت بالواجب قبل الوقت أو قبل الميقات بغير إذنه فلا نفقة لها لأنها منعته الاستمتاع بما لا يجب عليها فهو كسفرها بغير إنه وإن فعلته بإذنه فهو كسفرها لحاجتها وإن أحرمت بالحج المنذور فقال أصحابنا‏:‏ لها النفقة وينبغي أن يقال‏:‏ إن كان النذر قبل النكاح فلها النفقة لأنه وجب قبل النكاح فكان مقدما على حقه فيها وإن كان بعد النكاح بإذن الزوج فلها النفقة لأنه إذن في إلزامها إياه فكان راضيا بموجبه وإن كان بغير إذنه فلا نفقة لها لأنها فوتت التمكين اختيارا منها بغير رضاه فأشبه السفر لحاجتها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏هل يسقط صوم رمضان النفقة‏؟‏‏]‏

وصوم رمضان لا يسقط النفقة لأنه واجب معين والحكم في صوم النذر والتطوع والاعتكاف المنذور والتطوع كالحكم في الحج الذي كذلك وأما قضاء رمضان فإن ضاق وقته لم يمنع النفقة لأنه واجب مضيق أشبه رمضان وإن كان وقتا متسعا فهو كالإحرام قبل الوقت‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا أسلمت زوجة الكافر بعد الدخول‏]‏

وإذا أسلمت زوجة الكافر بعد الدخول فلها نفقة العدة لأن الإسلام واجب عليها مضيق أشبه الإحرام بالحج الواجب في وقته وإن أسلم هو دونها وهي غير كتابية فلا نفقة لها لأنها منعته بمعصيتها وإقامتها على كفرها وإن ارتدت مسلمة فلا نفقة لها كذلك وإن كان هو المرتد فعليه النفقة لأنه الممتنع بردته وإن عادت المرتدة إلى الإسلام فلها النفقة من حين عادت ولو كان غائبا لأن سقوط نفقتها لردتها فعادت بزوالها وإن نشزت الزوجة ثم عادت إلى الطاعة والزوج غائب فلا نفقة لها حتى يمضي زمن لو سار فيه لقدر على استمتاعها لأن سقوط نفقتها لعدم التمكين ولم يحصل بعودها إلى الطاعة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نفقة الأمة المزوجة‏]‏

وللأمة المزوجة النفقة في الزمن الذي تسلم نفسها فيه فإن سلمت إليه ليلا ونهارا فلها النفقة كلها كالحرة وإن سلمت ليلا دون النهار فلها نصف نفقتها لأنها سلمت نفسها في الزمن الذي يلزمها تسليم نفسها فيه فكان لها نفقتها فيه كالحرة في جميع الزمان‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏النفقة في النكاح الفاسد‏]‏

ولا تجب النفقة في النكاح الفاسد لأنه ليس بنكاح شرعي‏.‏

باب‏:‏ نفقة المعتدة

وهي ثمانية أقسام‏:‏

أحدها‏:‏ الرجعية فلها النفقة السكنى لأنها باقية على الزوجية غير مانعة له من الاستمتاع أشبه ما قبل الطلاق‏.‏

الثاني‏:‏ البائن بفسخ الطلاق فإن كانت حاملا فلها النفقة والسكنى لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن‏}‏ وهل تجب النفقة للحمل أو للحامل‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ للحمل لأنها تجب بوجوده وتسقط بعدمه‏.‏

والثاني‏:‏ تجب لها بسببه لأنها تجب مع الإعسار ونفقة الولد لا تجب على معسر وإن كانت حائلا فلا نفقة لها لدلالة الآية بدليل خطابها على عدمها وفي السكنى روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ تجب للآية والأخرى‏:‏ لا تجب لحديث فاطمة بنت قيس وهو مفسر للآية فإن قلنا‏:‏ تجب النفقة للحمل فلا نفقة لزوجة العبد ولا للأمة الحامل لأنه لا تجب نفقة ولدهما على أبيه وإن قلنا‏:‏ تجب للحامل وجبت نفقتهما كما تجب في صلب النكاح‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم الثالث من أقسام نفقة المعتدة‏]‏

الثالث‏:‏ المعتدة في الوفاة فإن كانت حائلا فلا نفقة لها ولا سكنى لأن ذلك يجب للتمكين من الاستمتاع وقد فات بالوفاة وإن كانت حاملا ففي وجوبهما روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا تجبان كذلك‏.‏

والثانية‏:‏ تجبان لأنها معتدة في نكاح صحيح أشبهت البائن في الحياة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم الرابع من أقسام نفقة المعتدة‏]‏

الرابع‏:‏ المعتدة في اللعان فإن كانت حائلا أو منفيا حملها فلا سكنى لها ولا نفقة لما روى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏فرق بين المتلاعنين‏)‏ وقضى‏:‏ أن لا بيت عليها ولا قوت رواه أبو داود ولأنها بائن لا ولد له معها فأشبهت المختلعة الحائل وإن كانت حامل حملا يلحقه نسبه فلها السكنى والنفقة لأن ذلك يجب للحمل أو لسببه وهو موجود فإن نفاه فأنفقت وسكنت ثم استلحقه لحقه ولزمه ما أنفقت وأجرة رضاعها ومسكنها لأنها فعلت ذلك على أنه لا أب له وقد بان خلافه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم الخامس من أقسام نفقة المعتدة‏]‏

الخامس‏:‏ المعتدة من وطء شبهة أو نكاح فاسد إذا فرق بينهما فلا سكنى لها بحال لأنه إنما تجب بسبب النكاح ولا نكاح هاهنا ولا نفقة لها إن كانت حائلا وإن كانت حاملا وقلنا بوجوب النفقة للحمل وجبت لأن الحمل هاهنا لاحق به فأشبه الحمل في النكاح الصحيح وإن قلنا‏:‏ تجب للحامل فلا نفقة لها لأن حرمته هاهنا غير كاملة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم السادس من أقسام نفقة المعتدة‏]‏

السادس‏:‏ الزانية‏:‏ لا نفقة لها ولا سكنى بحال لأنه لا نكاح بينهما ولا يلحقه نسب حملها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم السابع من أقسام نفقة المعتدة‏]‏

السابع‏:‏ زوجة المفقود لها النفقة لمدة التربص لأنها محبوسة عليه في بيته فإذا حكم لها بالفرقة انقطعت نفقتها لزوال نكاحها حكما فإذا قدم فردت عليه فلها النفقة لما يستقبل دون ما مضى لأنها خرجت بمفارقتها إياه عن قبضته فلا تجب إلا بعودها إليه وإن لم ترد إليه فلا نفقة لها بحال‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏القسم الثامن من أقسام نفقة المعتدة‏]‏

الثامن‏:‏ زوجة العبد والأمة المزوجة وقد تقدم بيان حكمهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏حكم من وجبت لها النفقة للحمل‏]‏

ومن وجبت لها النفقة للحمل وجب دفعها إليها يوما بيوم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن‏}‏ ولأن الحمل يتحقق حكما في منع النكاح والأخذ في الزكاة ووجوب الدفع في الدية والرد بالعيب فكذلك في وجوب النفقة لها وقال أبو الخطاب‏:‏ ويحتمل أنه لا يجب دفع النفقة إليها حتى تضع الحمل لأنه لا يتحقق ولذلك لم يصح اللعان عليه قبل وضعه على إحدى الروايتين والمذهب‏:‏

الأول‏:‏ فإن أنفق عليها ثم تبين أنها غير حامل رجع عليها لأنه دفعها إليها على أنها واجبة فجع عليها كما لو قضاها دينا ثم تبين براءته منه وعنه‏:‏ لا يرجع عليها لأنه لو كان النكاح فاسدا فأنفق عليها ثم فرق بينهما لم يرجع كذا هاهنا وإن لم ينفق عليها لظنه أنها حائل ثم تبين أنها حامل رجعت عليه لأننا تبينا استحقاقها له فرجعت به عليه كالدين وإن ادعت الحمل لتأخذ النفقة أنفق عليها ثلاثة أشهر ثم ترى القوابل فإن بان أنها حامل فقد أخذت حقها وإن بان خلافه رجع عليها‏.‏

باب‏:‏ قدر النفقة

يجب للمرأة من النفقة قدر كفايتها بالمعروف لقول النبي صلى الله عليه وسلم لهند‏:‏ ‏[‏خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف‏]‏ متفق عليه ولأن الله قال‏:‏ ‏{‏وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏}‏ والمعروف‏:‏ قدر الكفاية ولأنها نفقة واجبة لدفع الحاجة فتقدرت بالكفاية كنفقة المملوك فإذا ثبت أنها غير مقدرة فإنه يرجع في تقديرها إلى الحاكم فيفرض لها قدر كفايتها من الخبز والأدم وقال القاضي‏:‏ هي مقدرة برطلي خبز بالعراقي وما يكفيها من الأدم لأن الواجب للمسكين في الكفارة رطلان ويجب لها في القوت الخبز لأنه المقتات في العادة وقال ابن عباس في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏من أوسط ما تطعمون أهليكم‏}‏ الخبز والزيت وعن ابن عمر‏:‏ الخبز والسمن والخبز والزيت والخبز والتمر ومن أفضل ما تطعمهم‏:‏ الخبز واللحم ويجب لها من الأدم بقدر ما تحتاج إليه من أدم البلد من الزيت والشيرج والسمن واللبن واللحم وسائر ما يؤتدم به لأن ذلك من النفقة بالمعروف وقد أمر الله تعالى ورسوله به‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏اعتبار اليسار والإعسار بالنسبة للزوج‏]‏

ويختلف ذلك بيسار الزوج وإعساره لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها‏}‏ وتعتبر حال المرأة أيضا لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف‏]‏ فيجب للموسرة تحت الموسر من أرفع خبز البلد وأدمه بما جرت به عادة مثلها ومثله وللفقير تحت الفقير من أدنى خبز البلد وأدمه على قدر عادتهما وللمتوسط تحت المتوسط أو إذا كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا ما بينهما على كل حسب عادته لأنه إيجاب نفقة الموسرين على المعسر وإنفاق الموسر نفقة المعسرين ليس من المعروف وفيه إضرار بصاحبه وحكم المكاتب والعبد حكم المعسر لأنهما ليسا بأحسن حالا منه ومن نصفه حر إن كان معسرا فهو كالمعسرين وإن كان موسرا فهو كالمتوسطين‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن دفع إليها قيمة النفقة‏]‏

فإن دفع إليها قيمة الخبز والأدم أو الحب والدقيق لم يلزمها قبوله لأنه طعام وجب في الذمة بالشرع فلم يجب أخذ عوضه كالكفارة وإن اتفقا على ذلك جاز لأنه حق آدمي فجاز أخذ عوضه باتفاقهما كالقرض‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تهيئة ما تحتاج إليه من المشط والدهن ونحوهما‏]‏

ويجب لها ما تحتاج إليه من المشط والدهن لرأسها والماء والسدر لغسله وما يعود بنظافتها لأنه يراد للتنظيف فيجب عليه كما يجب على المستأجر كنس الدار وتنظيفها ولا يلزمه ثمن الخضاب لأنه للزينة فأشبه الحلي ولا ثمن الدواء وأجرة الطبيب لأنه ليس من النفقة الراتبة وإنما يحتاج إليه لعارض وأما الطيب فما يراد منه لقطع السهك والريح الكريهة والعرق لزمه لأنه يراد للتنظيف وما يراد للتلذذ والاستمتاع لم يلزمه لأن الاستمتاع حق له فلا يجب عليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الكسوة‏]‏

وتجب الكسوة للآية والخبر ولأنه يحتاج إليها لحفظ البدن على الدوام فلزمته كالنفقة ويجب للموسرة تحت الموسر من مرتفع ما يلبس في البلد من الإبريسم والخز والقطن والكتان وللفقيرة تحت الفقير من غليظ القطن والكتان وللمتوسطة تحت المتوسط أو إذا كان أحدهما موسرا والآخر معسرا ما بينهما على حسب عوائدهم في الملبوس كما قلنا في النفقة وأقل ما يجب سراويل ومقنعة ومداس للرجل وجبة للشتاء لأن ذلك من الكسوة بالمعروف وملحفة أو كساء أو مضربة محشوة للنوم وبساط ولبد أو حصير للنهار ويكون ذلك في المرتفع للأولى ومن الأدون للثانية وفي المتوسط للثالثة لأنه من المعروف‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏المسكن‏]‏

ويجب لكل مسكن لأنا لا تستغني عنه للإيواء والاستتار عن العيون للتصرف والاستمتاع ويكون ذلك على قدرهن كما ذكرنا في النفقة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تهيئة الخادم‏]‏

وإن كانت ممن لا تخدم نفسها لكونها من ذوات الأقدار أو مريضة وجب لها خادم لقول الله‏:‏ ‏{‏وعاشروهن بالمعروف‏}‏ وإخدامها في العشرة بالمعروف ولا يجب لها أكثر من خادم لأن المستحق خدمتها في نفسها وذلك يحصل بخادم واحد ولا يجوز أن يخدمها إلا امرأة أو ذا رحم محرم أو صغيرا وهل يجوز أن تكون كتابية‏؟‏ فيه وجهان‏:‏ بناء على إباحة النظر لهن فإن قلنا بجوازه‏:‏ فهل يلزم المرأة قبولها‏؟‏ فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يلزمها قبولها لأنهم يصلحون للخدمة‏.‏

والثاني‏:‏ لا يلزمها لأن النفس تعافهم وإن قالت المرأة‏:‏ أنا أخدم نفسي وآخذ أجرة الخادم لم يلزم الزوج لأن القصد بالخدمة ترفيهها وتوفيرها على حقه وذلك يفوت بخدمتها وإن قال‏:‏ أنا أخدمك بنفسي ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ يلزمها الرضى به لأن الكفاية تحصل به‏.‏

والثاني‏:‏ لا يلزمها لأنها تحتشمه فلا تستوفي حقها من الخدمة ولا يلزمه أن يملكها خادما بل إن كان له أو استأجره جاز وإن كان مملوكا لها فاتفقا على خدمته لزمه نفقته بقدر نفقة الفقيرين في القوت والأدم والكسوة ولا يجب له مشط ولا سدر ولا دهن للرأس لأنه يراد للتنظيف والزينة ولا يراد ذلك من الخادم ويجب للخادمة خف إذا كانت تخرج إلى الحاجات لحاجتها إليه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏دفع النفقة كل يوم‏]‏

وعليه دفع نفقتها إليها كل يوم إذا طلعت الشمس لأنه أول وقت الحاجة فإن اتفقا على تعجيلها أو تأخيرها أو تسليفها النفقة لشهر أو عام أو أكثر جاز لأن الحق لا يخرج عنهما فجاز فيه ما تراضيا عليه كالدين فإن دفع إليها نفقة يوم فبانت فيه لم يرجع بما بقي لأنها أخذت ما تستحقه وإن أسلفها نفقة أيام ثم بانت رجع عليها لأنه غير مستحق لها وذكر القاضي‏:‏ ما يدل على أن حكم ذلك حكم الرجوع في معجل الزكاة على ذكر في موضعه فأما إن غاب عن زوجته زمنا لم ينفق عليها فإنها ترجع عليه بنفقة ما مضى لما روي عن عمر رضي الله عنه‏:‏ أنه كتب إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم إن طلقوا‏:‏ أن يبعثوا بنفقة ما مضى ولأنه حق لها عليه بحكم العوض فرجعت به عليه كالدين وعنه‏:‏ لا ترجع عليه إلا أن يكون الحاكم قد فرضها لها لأنها نفقة فأشبهت نفقة الأقارب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الكسوة في كل عام مرة‏]‏

وعليه كسوتها في كل عام مرة في أوله لأنه العادة فإن تلفت في الوقت الذي يبلى فيه مثلها لزمه بدلها لأن ذلك من تمام كسوتها وإن بليت قبله لم يلزمه بدلها لأنه لتفريطها فأشبه ما لو أتلفتها وإن مضى زمن يبلى فيه مثلها ولم تبل ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يلزمه بدلها لأنها غير محتاجة إلى الكسوة‏.‏

والثاني‏:‏ يجب لأن الاعتبار بالمدة بدليل أنها لو تلفت قبل انقضاء المدة لم يلزمها بدلها وإن كساها ثم أبانها ففيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا يرجع لأنه دفع ما تستحق دفعه فلم يرجع به كنفقة اليوم‏.‏

والثاني‏:‏ يرجع لأنه دفع لزمن مستقبل أشبه ما لو أسلفها النفقة ثم أبانها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تصرفها في النفقة كيفما شاءت‏]‏

وإذا دفع إليها النفقة فلها أن تتصرف فيها بما شاءت من بيع وصدقة وغيرهما لأنها حق لها فملكت التصرف فيها كالمهر إلا أن يعود ذلك عليها بضرر في بدنها ونقص في استمتاعها فلا تملكه لأنه يفوت حقه وكذلك الحكم في الكسوة في أحد الوجهين وفي الآخر‏:‏ ليس لها التصرف فيها بحال لأنه يملك استرجاعها بطلاقها بخلاف النفقة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏سقوط النفقة بالنشوز‏]‏

وإن نشزت المرأة سقطت نفقتها لأنها تستحقها في مقابلة التمكين من استمتاعها وقد فات ذلك بنشوزها وإن كان لها ولد لم تسقط نفقته لأن ذلك حق له فلا تسقط بنشوزها‏.‏

باب‏:‏ قطع النفقة

إذا أعسر الزوج بنفقة المعسر فلها فسخ النكاح لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان‏}‏ وقد تعذر الإمساك بالمعروف فيتعين التسريح بإحسان وكتب عمر رضي الله عنه إلى أمراء الأجناد في رجال غابوا عن نسائهم‏:‏ يأمرهم أن ينفقوا أو يطلقوا فإن طلقوا بعثوا بنفقة ما مضى ولأنه إذا ثبت لها الفسخ لعجزه عن الوطء فلأن يثبت بالعجز عن النفقة أولى لأن الضرر فيه أكثر وإن أعسر ببعضها فلها الفسخ لأن البدن لا يقوم بدونها وإن أعسر بكسوة المعسر فلها الفسخ لأن البدن لا يقوم بدونها فأشبهت القوت وإن أعسر بما زاد على نفقة المعسر فلا خيار لها لأنها تسقط بإعساره ولأن البدن يقوم بدونها ومن لم يجد إلا قوت بيوم فليس بمعسر بالنفقة لأن هذا هو الواجب وإن كان يجد في أول النهار ما يغديها وفي آخره ما يعيشها فلا خيار لها لأنها الأصل إلى كفايتها وإن كان يجد قوت يوم دون يوم فلها الخيار لأنها لا تصل إلى كفايتها وإن كان صانعا يعمل في كل أسبوع ثوبا يكفيه ثمنه للأسبوع كله فلا خيار لها لأنها تصل إلى كفايتها ومتى عازه أمكنه الاقتراض ثم يقضيه فلا تنقطع النفقة فإن كانت نفقته من عمل عجز عنه لمرض مرجو الزوال أو غيبة ماله وأمكنه الاقتراض إلى زوال العارض وفعل فلا خيار لها وإن عجز عن الاقتراض وكان العارض يزول في ثلاثة أيام فما دون فلا خيار لها لأن ذلك قريب وإن كثر فلها الفسخ لأن الضرر يكثر وإن أعسر بالمسكن فيه وجهان‏:‏

أحدهما‏:‏ لا خيار لها لأن البدن يقوم بدونه‏.‏

والثاني‏:‏ لها الخيار لأنه مما لا بد منه أشبه النفقة والكسوة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن منع الموسر النفقة وقدرت له على مال‏]‏

فإن منع النفقة من يساره وقدرت له على مال أخذت منه قدر كفايتها بالمعروف لما روي أن هندا جاءت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني من النفقة ما يكفيني وولدي فقال‏:‏ ‏[‏خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف‏]‏ متفق عليه وإن منعها بعض الكفاية فلها أخذه للخبر ولها أن تأخذ نفقة ولدها الصغير للخبر فإن وجدت من جنس الواجب لها أخذته وإن لم تجد أخذت بقدره من غيره متحرية للعدل في ذلك فإن لم تجد ما تأخذه رفعته إلى الحاكم ليأمره بالإنفاق أو الطلاق فإن أبى حبسه فإن صبر على الحبس وقدر الحاكم على ماله أنفق منه وإن لم يجد إلا عروضا باعها وأنفق منها فإن تعذر ذلك فلها الفسخ لما ذكرنا من حديث عمر رضي الله عنه ولأنه إذا ثبت الفسخ مع العذر دفعا للضرر فمع عدمه أولى وإن كان الزوج غائبا كتب الحاكم إليه كما كتب عمر إلى الذين غابوا عن نسائهم فإن لم يعلم خبره أو تعذرت النفقة منه ولم يوجد له مال فلها الفسخ لما ذكرنا وهذا اختيار الخرقي وأبي الخطاب وذكر القاضي‏:‏ أن الفسخ لا يثبت مع اليسار لأن الخيار لعيب الإعسار ولم يثبت ذلك وما ذكرناه أصح فإن الإعسار ليس بعيب وإنما الفسخ لدفع الضرر وهما فيه سواء ومن كان له دين يتمكن من استيفائه فهو كالموسر لأنه قاد عليه وإن لم يتمكن من استيفائه فهو كالمعدوم لأنه عاجز عنه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن كان له عليها دين من جنس الواجب لها من النفقة فأراد أن يحتسب به عليها وهي موسرة‏]‏

فإن كان له عليها دين من جنس الواجب لها من النفقة فأراد أن يحتسب به عليها وهي موسرة فله ذلك لأن له أن يقضي دينه من أي ماله شاء وهذا منه وإن كانت معسرة لم يملك ذلك لأن قضاء الدين في الفاضل عن الكفاية ولا فضل لها‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم ثبت لها الفسخ فرضيت بالمقام معه‏]‏

ومتى ثبت لها الفسخ فرضيت بالمقام معه ثبت لها في ذمته ما يجب على المعسر من القوت والأدم والكسوة والمسكن والخادم تطالبه بها إذا أيسر لأنها حقوق واجبة عجز عنها فثبتت في ذمته كالدين وقال القاضي‏:‏ لا يثبت في ذمته شيء قياسا على الزائد عن نفقة المعسر والفرق ظاهر فإن الزائد غير واجب على معسر وهذا معسر بخلاف هذا ولا يلزمها التمكين من الاستمتاع ولا الإقامة في منزله لأن ذلك في مقابلة النفقة فلا يجب مع عدمها ومتى عن لها الفسخ فلها الفسخ لأن وجوب النفقة يتجدد كل يوم فيتجدد حق الفسخ ولو تزوجت معسرا عالمة بإعساره ثم بدا لها الفسخ لعسرته فلها الفسخ لما ذكرنا وقال القاضي‏:‏ ظاهر كلام أحمد أنه ليس لها الفسخ في الموضعين لأنها رضيت بعيبه فأشبه امرأة العنين إذا رضيت بعنته‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن اختارت الفسخ‏]‏

وإن اختارت الفسخ لم يجز لها ذلك إلا بحكم حاكم لأنه مختلف فيه فلم يجز بغير الحاكم كالفسخ بالعنة ولها المطالبة بالفسخ بالحال لأنه فسخ لتعذر العوض فثبت في الحال كفسخ البيع لفلس المشتري‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إن أعسر زوج الأمة فلم تختر الفسخ‏]‏

وإن أعسر زوج الأمة فلم تختر الفسخ لم يكن لسيدها الفسخ لأن الحق لها فلم يكن له الفسخ كالفسخ للعنة وإن أعسر زوج الصغيرة والمجنونة فليس لوليها الفسخ لأنه فسخ لنكاحهما فلم يملكها وليهما كالفسخ للعيب وحكي عن القاضي‏:‏ أن لسيد الأمة الفسخ لأن الضرر عليه ويحتمل أن يملك ولي الصغيرة والمجنونة الفسخ لأنه فسخ لفوات العوض فملكه كفسخ البيع لتعذر الثمن‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا وجد التمكين الموجب للنفقة فلم ينف حتى مضت مدة‏]‏

وإذا وجد التمكين الموجب للنفقة فلم ينف حتى مضت مدة صارت النفقة دينا في ذمته سواء تركها لعذر أو غيره لحديث عمر ولأنه مال يجب على سبيل البدل في عقد معاوضة قلم يسقط بمضي الزمان كالصداق وإن أعسر بقضائها لم تملك الفسخ لأنها دين يقوم البدن بدونه فأشبهت دين القرض وعنه‏:‏ لا يثبت في الذمة وتسقط ما لم يكن الحاكم قد فرضها لأنها نفقة توجب يوما بيوم فإذا لم يفرضها الحاكم سقطت بمضي الزمن كنفقة الأقارب فعلى هذا لا يصح ضمانها لأنه ليس مآلها إلى الوجوب وعلى الرواية الأولى يصح ضمان ما وجب منها وما يجب في المستقبل لأن مآله إلى الوجوب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الحكم إذا ادعى الزوج أنه دفع إليها نفقتها فأنكرته‏]‏

وإذا ادعى الزوج أنه دفع إليها نفقتها فأنكرته فالقول قولها مع يمينها لأن الأصل عدم القبض وإن مضت مدة لم ينفق فيها فادعت أنه كان موسرا فأنكرها ولم يعرف له مال قبل ذلك فالقول قوله مع يمينه لأن الأصل عدمه وإن عرف له مال فالقول قولها لأن الأصل بقاؤه وإن ادعت التمكين الموجب للنفقة فأنكرها فالقول قوله لأن الأصل عدمه وإن قالت‏:‏ فرض الحاكم نفقتي منذ سنة فقال‏:‏ بل منذ شهر فالقول قوله كذلك وإن ادعى نشوزها فأنكرته فالقول قولها كذلك وإن طلقها طلقة رجعية وكانت حاملا فقال الزوج‏:‏ طلقتك قبل الوضع فانقضت عدتك به وقالت‏:‏ بل بعده لم يبق له رجعة لإقراره بانقضاء عدتها ولزمتها العدة لإقرارها بها والقول قولها مع يمينها في وجوب نفقتها لأن الأصل بقاؤها‏.‏

باب‏:‏ نفقة الأقارب

وهما صنفان‏:‏ عمود النسب وهم الولدان وإن علوا والولد وولده وإن سفل فتجب نفقتهم لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وبالوالدين إحسانا‏}‏ ومن الإحسان الإنفاق عليهما وقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه وإن ولده من كسبه‏]‏ وقال الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏}‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم لهند‏:‏ ‏[‏خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف‏]‏ فثبتت نفقة الوالدين والولد بالكتاب والسنة وثبتت نفقة الأجداد وأولاد الأولاد لدخولهم في اسم الآباء والأولاد قال الله تعالى‏:‏ ‏{‏ملة أبيكم إبراهيم‏}‏ وقال تعالى‏:‏ ‏{‏يا بني آدم‏}‏ وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحسين‏:‏ ‏[‏إن ابني هذا سيد‏]‏ وسواء كان وارثا أو غير وارث لأن أحمد قال‏:‏ لا تدفع الزكاة إلى ولد ابنته لقول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏[‏إن ابني هذا سيد‏]‏ وإذا منع دفع الزكاة إليهم لقرابتهم يجب أن تلزمه نفقتهم وذكر القاضي ما يدل على هذا وذكر في موضع آخر أنه لا تجب النفقة إلى على وارث وهو ظاهر قول الخرقي وغيره من أصحابنا‏.‏

الصنف الثاني‏:‏ كل مورث سوى من ذكرنا وسوى الزوج لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وعلى الوارث مثل ذلك‏}‏ فأوجب على الوارث أجرة رضاع الصبي فيجب أن تلزمه نفقته وروي أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ من أبر‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏أمك وأبوك وأختك وأخوك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصول‏]‏ رواه أبو داود وقضى عمر رضي الله عنه على بني عم منفوس بنفقته ولأنها قرابة تقتضي التوريث فتوجب الإنفاق كقرابة الولد‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نفقة ذوي الأرحام الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب‏]‏

فأما ذو الرحم الذين لا يرثون بفرض ولا تعصيب فلا نفقة عليهم في المنصوص لعدم النص فيهم وامتناع قياسهم على المنصوص لضعف قرابتهم ويتخرج وجوبها عليهم لأنهم يرثون في حال فتجب النفقة عليهم في تلك الحال وإن كان الوارث غير موروث كالمعتقة وعم المرأة وابن عمها وابن أخيها والمعتق وجب عليهم الإنفاق في المنصوص لأنهم وارثون فيدخلون في العموم وعنه‏:‏ لا نفقة عليهم لأنهم غير مورثون أشبهوا ذوي الأرحام‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏شروط وجوب الإنفاق على القريب‏]‏

ويشترط لوجوب الإنفاق على القريب ثلاثة شروط‏:‏

أحدها‏:‏ فقر من تجب نفقته فإن استغنى بمال أو كسب لم تجب نفقته لأنها تجب على سبيل المواساة فلا تستحق مع الغنى عنها كالزكاة وإن قدر على الكسب من غير حرفة ففيه روايتان‏:‏

إحداهما‏:‏ لا نفقة له لأنه يستغني بكسبه أشبه المحترف‏.‏

والثانية‏:‏ له النفقة لأنه لا مال له ولا حرفة أشبه الزمن‏.‏

الثاني‏:‏ أن يكون للمنفق ما ينفق عليهم فاضلا عن نفقة نفسه وزوجته لما روى جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏[‏ابدأ بنفسك ثم بمن تعول‏]‏ قال الترمذي‏:‏ هذا حديث صحيح ولأن نفقة القريب مواساة فيجب أن تكون الفاضل عن الحاجة الأصلية ونفقة نفسه من الحاجة الأصلية وكذلك نفقة زوجته لأنها تجب لحاجته فأشبهت نفقة نفسه وكذلك نفقة خادمه الذي لا يستغني عن خدمته تقدم كذلك‏.‏

الثالث‏:‏ اتفاقهما في الدين والحرية فلا يجب على الإنسان الإنفاق على من ليس على دينه لأنه لا ولاية بينهما ولا يرث أحدهما صاحبه لأنها تجب على سبيل المواساة والصلة فلمن تجب له مع اختلاف الدين كالزكاة وعنه في عمودي النسب‏:‏ أنها تجب مع اختلاف الدين لأنهم يعتقون عليه فينفق عليهم كما لو اتفق دينهما وأما العبد فلا نفقة عليه لأنه لا شيء له يواسي به فلا تجب نفقته على قريبه لأن نفقته على سيده ولأنه لا توارث بينهما ولا ولاية فلم ينفق أحدهما على صاحبه كالأجانب‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏لا يشترط في وجوب النفقة نقصان الخلقة بزمانة ونحوها‏]‏

ولا يشترط في وجوب النفقة نقصان الخلقة بزمانة أو صغر أو جنون لعموم الخبر وعن أحمد أنه يشترط ذلك في غير الوالدين لأن من علم ذلك فيه في مظنة التكسب فكان في مظنة الغنى ولا يشترط البلوغ ولا العقل فيمن تجب النفقة عليه بل يجب على الصبي والمجنون نفقة قريبهما إن كانا موسرين لأنها من الحقوق المالية فتجب عليهما كأرش جنايتهما‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نفقة من له أب‏]‏

ومن كان له أب لم تجب نفقته على غيره لأن الله تعالى أمر الآباء أن يعطوا الوالدات أجر الرضاع بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن‏}‏ وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏}‏ وأمر النبي صلى الله عليه وسلم هندا‏:‏ أن تأخذ ما يكفي ولدها من مال أبيهم فإن لم يكن لهم أب لم يكن له إلا وارث واحد فالنفقة عليه وإن كان له وارثان فالنفقة عليهما على قدر إرثهما فإذا كان لهم أم وجد فعلى الأم ثلث النفقة وعلى الجد الثلثان وإن كان له جدة وأخ فعلى الجدة سدس النفقة والباقي على الأخ وإن كان له أخوان أو أختان فالنفقة عليهما نصفين وإن كان له أخ وأخت فالنفقة عليهما أثلاثا وإن كان له أخت وأم فعلى الأخت ثلاثة أخماس النفقة وعلى الأم الخمسان لأنه مال يستحق بالقرابة فكان على ما ذكرناه كالميراث وإن كان له من الورثة ثلاثة أو أكثر فنفقته عليهم على قدر إرثهم لما ذكرنا وإن اجتمع أم أم وأبو أم فالنفقة على أم الأم لأنها الوارثة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نفقة من كان وارثه فقيرا‏]‏

ومن كان وارثه فقيرا وله قريب موسر محجوب به كعم معسر وابن عم موسر وأخ فقير وابن أخ موسر فلا نفقة عليهما ذكره القاضي وأبو الخطاب لأنه علة الوجوب الإرث فيسقط بحجبه كما يسقط ميراثه وإن كانا من عمودي النسب كأب معسر وجد موسر فالنفقة على الجد لأن وجوب النفقة عليه لقرابته وهي باقية مع الحجب ويحتمل أن يجب الإنفاق على الموسرة في التي قبلها لأن الموجب للنفقة القرابة الموجبة للميراث لا نفس الميراث وهي موجودة مع الحجب ووجود المعسر كعدمه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏من لم يفضل عنده إلا نفقة واحدة بمن يبدأ‏؟‏‏]‏

ومن لم يفضل عنده إلا نفقة واحدة بدأ بالأقرب فالأقرب لأنه أولى فإذا كان له أب وجد فالنفقة للأب وإن كان له ابن وابن ابن فهي للابن وإن اجتمع أب وابن صغير أو زمن فالنفقة للابن لأن نفقته وجبت بالنص وإن كان كبيرا ففيه ثلاث أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ يقدم الابن كذلك‏.‏

والثاني‏:‏ يقدم الأب لأن حرمته آكد‏.‏

والثالث‏:‏ هما سواء لتساويهما في القرب لأن كل واحد يدلي بنفسه وإن اجتمع أبوان ففيهما ثلاثة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ هما سواء لتساويهما في القرابة‏.‏

والثاني‏:‏ الأم الأحق لما روي أن رجلا قال‏:‏ يا رسول الله من أبر‏؟‏ قال‏:‏ ‏[‏أمك قال‏:‏ ثم من‏؟‏ قال‏:‏ أمك قال‏:‏ ثم من‏؟‏ قال‏:‏ أمك قال‏:‏ ثم من‏؟‏ قال‏:‏ أباك‏]‏‏.‏

والثالث‏:‏ الأب لأنه ساواه في القرابة وهي الولادة وانفرد بالتعصيب وإن اجتمع أخ وجد احتمل أن يقدم الجد لأنه آكد حرمة وقرابته قرابة ولادة ولهذا لا يقاد به ويحتمل تساويهما لتساويهما في التعصيب والإرث وإن كان مع الجد عم أو ابن عم قدم الجد لتقديمه في الحرمة والإرث ولأنهما يدليان به فقدم عليهما كالأب مع الأخ‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نفقة العتيق‏]‏

وعلى المعتق نفقة عتيقه إذا وجدت الشروط لأنه وارثه ولا نفقة للمعتق على عتيقه لأنه لا يرثه‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏تقدير نفقة القريب‏]‏

وتجب نفقة القريب مقدرة بالكفاية لأنها لا تجب للحاجة فيجب ما تندفع به وإن احتاج إلى من يخدمه وجبت نفقة خادمه وإن كانت له زوجة وجبت نفقة زوجته لأنه من تمام الكفاية وعنه‏:‏ لا يلزم الرجل نفقة زوجة ابنه فعلى هذه الرواية لا يلزمه نفقة غير القريب لأن الواجب نفقته لا نفقة غيره‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏نفقة الأب والجد والابن الذين تلزمه نفقتهم‏]‏

ويلزمه إعفاف أبيه وجده وابنه الذين تلزمه نفقتهم إذا طلبوا ذلك لأنه يحتاج إليه ويضره فقده فأشبه النفقة وهو مخير بين أن يزوجه حرة أو يسريه بأمة ولا يجوز أن يزوجه أمة لأنه بوجوب إعفافه يستغني عن الأمة ونكاحها ولا يعفه بعجوز ولا قبيحة لأن القصد الاستمتاع ولا يحصل ذلك بهما وإن أعفه بزوجة فطلقها أو بأمة فأعتقها لم يلزمه إعفافه ثانيا لأنه ضيع على نفسه وإن أعفه بأمة فاستغنى عنها لم يملك استرجاعها لأنه دفعها إليه في حال وجوبها عليه فم يملك استرجاعها كالزكاة ويجيء على قول أصحابنا‏:‏ أن يلزمه إعفاف كل من لزمه نفقته لأنه من تمام كفايته فأشبه النفقة‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏إرضاع الطفل إن احتاج إلى رضاع‏]‏

وإن احتاج الطفل إلى الرضاع لزمه إرضاعه لأن الرضاع من حق الصغير كنفقة الكبير ولا يجب إلا في حولين لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة‏}‏ فإن امتنعت الأم من رضاعه لم تجبر سواء كانت في حبال الأب أو مطلقة لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى‏}‏ ولأنها لم تجبر على نفقة الولد مع وجود الأب فلا تجبر على الرضاع إلا أن يضطر إليها ويخشى عليه فيلزمها إرضاعه كما لو لم يكن له أحد غيرها ومتى بذلت الأم إرضاعه متبرعة أو بأجرة مثلها فهي أحق به سواء وجد الأب متبرعة برضاعه أو لم يجد لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏والوالدات يرضعن أولادهن‏}‏ إلى قوله‏:‏ ‏{‏وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف‏}‏ وقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن‏}‏ ولأنها أحق بحضانته فوجب تقديمها وإن أبت أن ترضعه إلا بأكثر من أجر مثلها لم يلزمه ذلك ويسقط حقها لأنها أسقطته باشتطاطها ولأن ما لا يوجد بثمن المثل كالمعدوم مثل الرقبة في الكفارة وإن كانت ذات زوج أجنبي من الطفل فمنعها زوجها من الرضاع سقط حقها وإن أذن لها فهي على حقها من ذلك‏.‏

فصل‏:‏ ‏[‏الفرق بين نفقة القريب ونفقة الزوجة‏]‏

وتفارق نفقة القريب نفقة الزوجة في أربعة أشياء‏:‏

أحدها‏:‏ أن نفقة الزوجة تجب مع الإعسار لأنها بدل فأشبهت الثمن في المبيع ونفقة القريب مواساة فلا تجب إلا من الفاضل لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو‏}‏‏.‏

الثاني‏:‏ أن نفقة الزوجة تجب للزمن الماضي لما ذكرنا ونفقه القريب لا تجب لما مضى لأنها وجبت لإحياء النفس وتزجية الحال وقد حصل ذلك في الماضي بدونها‏.‏

الثالث‏:‏ إذا دفع إلى الزوجة نفقة يومها أو كسوة عامها فمضت المدة ولم تتصرف فيها فعليه ما يجب للمدة الثانية والقريب بخلاف ذلك‏.‏

والرابع‏:‏ أنه إذا دفع إلى الزوجة ما يجب ليومها أو لعامها فسرق أو تلف لم يلزمه عوضه والقريب بخلافه لما ذكرنا‏.‏